في عام 1958 صعدت فتاة في العشرين من عمرها اسمها (بولا شفيق) إلى مصاف النجومية بسرعة الصاروخ، فقد كانت شقراء جميلة تشبه نجمات السينما العالميات، ولكن خلف هذا المظهر الجميل كانت تكمن فتاة صلبة وصعبة المراس كانت هي (الصعيدية الأوروبية) الأولى والأخيرة! إنها الفنانة القديرة التي عرفها الجمهور العربي باسم (نادية لطفي) وعلى مدى هذه الأعوام الطويلة شقت (بولا) لنفسها طريقاً مميزاً وصنعت تاريخاً حافلاً وشخصية فنية هي نسيج وحدها.
كانت في حياتها الخاصة والعامة شخصاً واحداً، لكنها كانت على الشاشة فتاة رومانسية رقيقة، أما في الحقيقة فقد قاتلت السفاح أرييل شارون نفسه (بالكاميرا) في بيروت عام 1982م.. والكثير من الذكريات والمواقف سنعرفها عبر الحوار التالي:
في البداية تقول نادية لطفي: اسمى الحقيقى (بولا شفيق) من مواليد 3 يناير عام 1937 محافظة المنيا بصعيد مصر من أب مصرى صعيدي وأم بولندية، وحصلت على دبلوم المدرسة الألمانية بمصر عام 1955م، ومنذ طفولتي وأنا عاشقة للفن وأذهب مع أبي وأمي كل أسبوع لمشاهدة الأفلام الجديدة عربية كانت أو أجنبية فقد كان والدي عاشقاً للأفلام العربية، وعلى النقيض تماماً كانت والدتي بحكم أوروبيتها متابعة لأحداث السينما العالمية والجديد الذي تنتجه وتقدمه سنوياً، وكانت تحفظ أسماء النجمات العالميات بل الممثلات نصف المشهورات وتتحدث عنهن دائماً وعن قصص صعودهن وبداياتهن وأهم أعمالهن، فدفعني هذا إلى عشق الفن وتقمص أدوارهن وتمثيلها أمامها فكانت أول (جمهور) مشجع لي على دخول عالم الفن.
* وماذا كان موقف والدك من هذه الهواية؟
أبي رغم أنه رجل صعيدي النشأة وكان يتميز بقوة الشخصية والصلابة إلا إنه من داخله كان إنساناً رقيقاً ومثقفاً يجيد عدة لغات، وكان لهذا تأثير كبير على علاقته بوالدتي التي أحبته بجنون وتركت أوروبا وعاشت في صعيد مصر، وضحت بكل شيء من أجله وقد كان زواجه منها كرجل صعيدي وهي فتاة أوروبية حدثاً بالغ الخطورة خاصة إنه قرر العيش معها في مسقط رأسه بالصعيد، وكان قدوم فتاة أوروبية للإقامة بداخل هذا المجتمع حدثاً بالغ الخطورة لا يتفق مع العادات والتقاليد في هذا الوقت، ورغم هذا نجحت والدتي في أن تصبح فرداً مهماً بهذا العالم وكوّنت صداقات رائعة وحافظت على تقاليد وعادات المدينة التي تقيم فيها فاكتسبت احترام الجميع، وكان لها تأثير بالغ على النساء المحيطات بها من زاوية التعليم والتثقيف وتعريفهن بحقوقهن الإنسانية.
صعيدية أوروبية!
* إذن لم يكن لوالدك أي موقف معارض لعملك بالفن؟
لقد اقتنع بوجهة نظر امي بأن يتركني على حريتي خاصة إنهما كانا مطمئنين تماماً لتربيتي، فتعلمت من البداية ما هو الصحيح والخطأ كما أن
البذرة الصعيدية بداخلي جعلتني أتأقلم جيداً مع جو القاهرة فقد كنت صعيدية أوروبية، مع العلم أنني تزوجت وأنا صغيرة جداً في سن السادسة عشرة أي قبل حصولي على الثانوية بعامين وانتقلت للعيش في القاهرة ولكن هذا لا يعني أنني لم أواجه متاعب وصعاباً، فقد أدى عملي بالفن لغضب جدي وأعمامي ومحاولتهم المستميتة لإقناع أبي بإبعادي حتى لا أجلب لهم (العار) إلا أن والدي أصر على موقفه.
* وهل تغيرت مواقفهم منك فيما بعد؟
بعضهم تغيروا وجاءوا لزيارتي وبيتي كان مفتوحاً لهم والبعض الآخر ظلوا على مواقفهم الجامدة ووصل الأمر للقطيعة مع أبي.
* وكيف بدأت رحلتك مع الفن؟
في إحدى الزيارات العائلية شاهدني المنتج العظيم صانع النجوم (رمسيس نجيب) وبنظرته الخبيرة أكد أن لي مستقبلا جيدا بانتظاري ولكن رأيه هذا لم يأت إلا بعد أن أجرى لي اختباراً صعباً أمام الكاميرا، واجتزته بحكم عشقي للفن وتقمصي لشخصيات عديدة من قبل وادائي لأدوار تمثيلية أثناء الدراسة مما أعطاني القدرة والجرأه وفتح لي رمسيس نجيب الباب على مصراعيه حيث قدمني لأول مرة بدور كبير ومميز في فيلم أمام الفنان فريد شوقي إخراج نيازي مصطفى عام 1958 وقدمت فيه دور صحفية تجري مقابلة مع شخص مطارد من قوات الشرطة بمعاونة من خطيبها الضابط الشاب (رشدي أباظة).
* ومن الذي قام بتغيير اسمك من بولا شفيق إلى نادية لطفي؟
بالطبع كان اختيار اسم فني مناسب لي عملية صعبة جداً فكان من المستحيل ظهوري باسمي الحقيقي لكونه صعباً وغريباً، وفي هذه الأثناء كان يعرض الفيلم الشهير (لا أنام) قصة الأديب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس إخراج صلاح أبو سيف وكانت الفنانة فاتن حمامة تحمل في هذا الفيلم اسم نادية لطفي فقرر رمسيس نجيب أن يمنحنى نفس الاسم.
* وهل هناك موقف طريف حدث وتتذكرينه بسبب هذا الاسم؟
أذكر أن إحسان عبد القدوس غضب
من رمسيس نجيب لكونه لم يستأذنه وهدده ضاحكاً برفع دعوى قضائية عليه وعليّ، وفي يوم العرض الخاص للفيلم وجّه (رمسيس) الدعوة له وللفنانة فاتن حمامة فحضرا ولا أنسى ما قاله لي إحسان عبد القدوس يومها بأنني بالفعل نادية لطفي التي ألهمته فكرة القصة وطالبني بالحفاظ على هذا المستوى لكي أظل جديرة بحمل الاسم.
* وماذا كان موقف فاتن حمامة وتعليقها على أدائك؟
فاتن حمامة هي أجمل إنسانة في الدنيا، ومن يوم ما عرفتها حتى الآن وقيمتها ومكانتها تزداد عندي وعند الكل بصفة مستمرة فقد أقبلت عليّ وهنأتني وحضنتني من قلبها وباركت لي وقالت لي ضاحكة (لا تنسي أبداً أنا نادية لطفي الحقيقية)!
* وماذا بعد نجاحك في فيلم (سلطان)؟
إنهالت عليّ السيناريوهات ولكنني دائماً كنت أتذكر جملة إحسان عبد القدوس لي بالحفاظ على نفس المستوى ولم يغامر رمسيس نجيب معي حتى مر عام كامل فأسند لي بطولة فيلم (حب إلى الأبد) مع أحمد رمزي ومحمود المليجي وإخراج يوسف شاهين، وفي العام التالي 1960 تعاونت مع شركة إنتاج أخرى هي أفلام الاتحاد (عباس حلمي) في فيلم (عمالقة البحار) مع أحمد مظهر وإخراج السيد بدير وفي نفس العام تعاونت مع شركة إنتاج جمال الليثي في فيلم (حبي الوحيد) أمام كمال الشناوي وعمر الشريف إخراج كمال الشناوي.
أنا وعبد الحليم حافظ
* وما هو موقف رمسيس نجيب منك بعد أن فوجئ بتعاونك مع شركات أخرى رغم أنه صاحب الفضل في اكتشافك؟
هذا الرجل كان يتميز بشيء رائع وهو عدم الاحتكار أو الحجر على من يكتشفهم فكان يفتح أمامهم الباب ثم يدفعهم للانطلاق بترحيب شديد من جانبه، وهكذا فعل مع كل النجوم والنجمات الذين اكتشفهم وفعل نفس الشيء معي.
* هكذا ثبتت أقدامك على الساحة
السينمائية فكيف كانت انطلاقتك القوية؟
بالطبع مشاركتي وقيامي ببطولة كل هذه الأفلام جعلني أحدى نجمات السينما الأوائل اللاتي يتهافت عليهن المنتجون والمخرجون وأذكر أنني في عام 1961 قمت ببطولة ثلاثة أفلام هي (السبع بنات) مع أحمد رمزي وسعاد حسني وحسين رياض إنتاج حلمي رفلة وكان أول تعاون لي مع المخرج عاطف سالم وكذلك فيلم (عودي يا أمي) مع شكري سرحان وعمر الحريري والقديرة الراحلة أمينة رزق إخراج عبد الرحمن شريف وفيلم (مع الذكريات) قصة وسيناريو وحوار وإخراج سعد عرفه وشاركني بطولته أحمد مظهر ومريم فخر الدين وصلاح منصور إلا أن انطلاقتي الحقيقية جاءت في عام 1962 والذي قمت فيه ببطولة سبعة أفلام دفعة واحدة هي (قاضي الغرام) مع حسن يوسف والنابلسي إخراج حسن الصيفي و(أيام بلا حب) مع كمال الشناوي إخراج حسام الدين مصطفي و(حياة عازب) مع شكري سرحان ويوسف فخر الدين سيناريو وإخراج نجدي حافظ و(صراع الجبابرة) مع أحمد مظهر إخراج زهير بكير وفيلم (مذكرات تلميذة) مع أحمد رمزي وحسن يوسف إخراج أحمد ضياء و(من غير ميعاد) مع محرم فؤاد وسعاد حسني ومحمد سلطان إخراج أحمد ضياء إلا أن أنجح أفلامي على الإطلاق ليس في هذا العام فحسب بل منذ بدأ مشواري الفني كان فيلم (الخطايا) مع عبد الحليم حافظ إخراج حسن الإمام، وكان الفيلم أول لقاء فني يجمعني بعبد الحليم بل وبحسن الامام نفسه فانتقلت بفضل نجاحه الساحق للنجومية الطاغية.
* بمناسبة الحديث عن (عبد الحليم) نعرف جيداً أنه كانت هناك صداقة قوية تربطك به فما هي أبرز المواقف التي تتذكرينه بها؟
عبد الحليم كان إنساناً عظيماً جداً أكثر منه فناناً عظيماً وحياته الخاصة كانت مليئة بالمواقف الرائعة حيال
جاء منها ولم يتمرد يوماً على من ساعدوه بل كان يذكرهم بكل حب ولم يصبه الغرور أبداً رغم الشهرة الساحقة التي حققها وكنت تشعر وهو يتحدث إليك بألفة شديدة معه ولطالما ساند زملاء في محنتهم وأنا نفسي كثيراً ما كنت أطلب منه الحضور لي أو أذهب أنا له حينما تصادفني أزمة أو مشكلة فكان مثل (الطبيب النفسي) الماهر وأشياء كثيرة عنه إذا أردت الحديث عنها باستفاضة لن تكفيني صفحات كتاب كامل عنه.
* ولماذا رغم النجاح الكبير في (الخطايا) لم يتكرر تعاونكما سوياً إلا بعد مرور سبعة أعوام كاملة في (أبي فوق الشجرة)؟
عبد الحليم نفسه بعد (الخطايا) قلل من حجم ظهوره سينمائياً فلم يقدم سوى عدد قليل من الأفلام وبالطبع كانت أصلح من تقوم بدور البطولة معه الزميلة الفنانة الكبيرة شادية.
* وكيف وافقت على تجسيد شخصية (فردوس) في فيلم (أبي فوق الشجرة) وهو دور يختلف تماماً عن ما قدمته في (الخطايا)؟
أنا نفسي فوجئت بترشيحه لي هو ومخرج الفيلم حسين كمال لتجسيد شخصية (فردوس) في (أبي فوق الشجرة) وترددت كثيراً في تقديمه ولكن لكوني قبل هذا الفيلم كنت بدأت أتمرد على نوعية الأدوار التي أعتادني الجمهور عليها فتحديت نفسي وقدمت شخصية العالمة زنوبة في فيلم (قصر الشوق) فقررت تقديم هذه الشخصية من باب التحدي وحقق الفيلم نجاحاً ضخماً لم يكن له نظير في هذا الوقت واستمر عرضه عاماً كاملاً بدور العرض وهو مالم يحدث مع أي فيلم قبله ولا أنسى ما قاله لى عبد الحليم بأن أنجح فيلمين له كانا معي وأضف إلى هذا أن شخصية (فردوس) في الفيلم حققت أيضاً نجاحاً كبيراً وظل الجمهور يناديني بها فترة طويلة.
دعني والدموع!
* وماذا عن شخصية (مديحة) في فيلم (النظارة السوداء)؟
هذا الفيلم قمت ببطولته عام 1963، فبعد النجاح الكبير الذي تحقق ل(الخطايا) توالت السيناريوهات عليّ وأذكر أنني في عامي 63و64 قمت ببطولة أكثر من 15 فيلماً أذكر منها (جواز في خطر) و(سنوات الحب) و(حب لا أنساه) و(دعني والدموع) و(ثورة البنات) و(حب ومرح وشباب) و(للرجال فقط) إلا أن أنجح فيلمين لي هما (النظارة السوداء) الذي قمت ببطولته مع أحمد مظهر والطريف أن فيلمي الثاني الناجح أيضاً في نفس العام كان (الناصر صلاح الدين) الذي قدمت فيه شخصية (لويزا) الفارسة القادمة من أوروبا مع الجيوش الصليبية وهو دور يختلف كل الاختلاف عن (مديحة) الفتاة المستهترة التي تقضي حياتها في اللهو والسهر مع أصدقاء السوء حتى يظهر في حياتها (عمر) ويستطيع أن يخلق منها إنسانة جديدة تنجح في مقاومة شلة اللهو والفساد بل تنجح في تبصيره هو وإعادته حينما ضل الطريق ونسي المبادئ القديمة.
* وما هي الأفلام الأخرى التي تعتزين ببطولتك لها؟
في الفترة التالية من مشواري قررت تقليل عدد الأفلام التي أوافق عليها والتدقيق جيداً فيما أختاره، ومن هنا لم أقدم في عامي 65 و66 سوى سبعة أفلام فقط هي (مدرس خصوصي) و(المستحيل) و(الباحثة عن الحب) و(مطلوب امرأة) و(الحياة حلوة) و(عدو المرأة) إلا أنني أعتز كثيراً بفيلم (الخائنة) الذي قمت ببطولته مع الراحل محمود مرسي عام 1965 فالدور كان جديداً تماماً بالنسبة لي ومختلفاً بشكل كامل عما سبق لي تقديمه فجاء في إطار التنويع والاختلاف وقدمته أيضاً متحدية نفسي والنصائح التي وجهت لي وقتها برفضه حتى لا يكرهني الجمهور بسبب تقديمي لشخصية الزوجة الخائنة على الشاشة.
* ولماذا عدت لتكثيف نشاطك الفني في عام 1967؟
نعم قدمت في هذا العام وحده ستة أفلام هي (السمان والخريف) و(غراميات مجنون) و(الليالي الطويلة) و(عندما نحب) و(جريمة في الحي الهادئ) إضافة إلى فيلم (قصر الشوق) ولكن كما ترون لا يوجد أي دور في أي من هذه الأفلام يشبه الآخر فقد أغرتني جميع السيناريوهات على عكس العام التالي 68 الذي عرض عليّ فيه أكثر من 20 فيلماً لم أجد فيها شيئاً جديداً فاخترت أفضل ثلاثة أفلام منها هي (ثلاث قصص) و(أيام الحب) و(كيف تسرق مليونيراً) وهو نفسه ما حدث في عام 1969 الذي قدمت فيه أفلام (نشال رغم أنفه) و(سكرتير ماما) و(الرجل المناسب) إنتاج سوري إضافة إلى (أبي فوق الشجرة).
* لاحظ الجميع أنك ابتداء من عام 70 بدأت في تقليل ظهورك على الشاشة.. لماذا؟
الموضوع كان مرتبطاً بما عرض عليّ في هذه المرحلة خاصة أنه أصبح من الصعب أن أقدم شخصية الفتاة الصغيرة أو الطالبة الجامعية، فالمرحلة العمرية اختلفت وكان لابد وأن أواجه نفسي بالحقيقة ومن هنا اكتفيت في عام 70 ببطولة فيلم (كانت أيام) بينما قدمت في عام 71 ثلاثة أفلام اتفقت مع المرحلة الجديدة هي (اعترافات امرأة) و(الظريف والشهم والطماع) و(عشاق الحياة) واكتفيت في عام 1972 بتقديم ثلاثة أفلام أيضاً رغم كل ما عرض عليّ في هذا العام فقدمت (الزائرة) و(رجال بلا ملامح) و(الحاجز) بينما قدمت في عام 1973 فيلماً واحداً هو (زهور برية).
* خلال الفترة من عام 74 حتى 76
كثفت نشاطك الفني فقدمت عدداً كبيراً من الأفلام وفي العام التالي قيل إنك قررت اعتزال الفن ما حقيقة ذلك؟
ابتداء من عام 1977 بدأت أكثف نشاطاتي الخيرية والإنسانية ولا أنفي أننى فكرت في الاعتزال للتفرغ لها بشكل كامل، إلا أنني لم أستطع الابتعاد كثيراً فلم أقاوم إغراء العودة بعد إعجابي الشديد بسيناريو فيلم (الأقمر) وكذلك فيلم (رحلة داخل امرأة) فالفيلمان جديدان ومختلفان تماماً بالنسبة لي ورغم هذا لم أقدم أي أفلام عام 79 ثم قمت ببطولة فيلمي (وراء الشمس) و(أين تخبئون الشمس) عام 80 ثم قدمت في عام 82 فيلمي قبل الأخير ثم كان الفيلم الأخير عام 1988 بعنوان (الأب الشرعي) بعدها ومنذ ذلك التاريخ انشغلت بأنشطة اجتماعية وسياسية عديدة.
مقاتلة بالكاميرا
* من المعروف في هذا الصدد أنك كنت ضمن المحاصرين في بيروت عام 1982 فكيف حدث ذلك؟
لقد ذهبت في رحلة شهيرة آنذاك إلى لبنان أثناء حصار بيروت وقوات المقاومة الفلسطينية والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وقمت بتسجيل ماحدث ونقلته لمحطات تليفزيون عالمية مما دفع العديد من الصحف والقنوات للقول بأن الكاميرا التي حملتها فوق عنقي ورصدت ما قام به السفاح (شارون) في صبرا وشاتيلا لم تكن كاميرا بل كانت مدفعاً رشاشاً في وجه القوات الإسرائيلية خاصة أنني ظللت أطوف أسابيع وشهوراً بنفسي على العديد من عواصم العالم لأعرض ما قام به (شارون) في هذا الوقت وبالطبع أنا أتمنى أن أفعل هذا الآن ولكن أصارحكم القول أنني تراجعت عن الفكرة.
* لماذا؟
أولاً الأحوال الصحية لم تعد كما هي فهناك فارق زمني كبير يتجاوز 22 عاماً بين حصار 82 والآن، وقد جربت مؤخراً قدرتي على حمل كاميرا التصوير على كتفي ولم أستطع فالحادث الذي تعرضت له منذ فترة وأدّى إلى كسر ذراعي ووضعها في الجبس لا تزال مضاعفاته موجودة حتى الآن فلم تلتئم العظام والكسر بشكل كامل.
* نفهم من هذا أنه لولا كسر ذراعك لكنت بادرت بالسفر إلى فلسطين المحتلة؟
كسر الذراع مهما طالت مدته من الممكن أن يتم إيجاد وسيلة لعلاجها، ولكن من الذي يمكنه أن يعالج كسر النفس والكبرياء والكرامة؟!
* وما هو الفارق من وجهة نظرك بين حصار عام 1982 وما يحدث الآن؟
مؤكد هناك فارق على الصعيد الفلسطيني رغم أن السفاح (شارون) هو القاسم الوحيد المشترك بينهما، ففي عام82 كان أهل فلسطين في حاجة لمن ينقل صوتهم وصورهم للعالم أما الآن فكل شيء يعرض على الطبيعة من خلال الفضائيات والشبكات التليفزيونية وما يحدث الآن في رأيي أبشع بكثير والعالم الذي يصف نفسه بالمدنية والتحضر يقف مكتوف الأيدي.. إنها مهزلة بكل المقاييس هل رأى أحد منكم من قبل رئيس دولة يتم محاصرته ومنعه من السفر أو التنقل وتحديد إقامته ثلاثة أعوام كاملة في مقره بناء على أوامر مغتصبي أرضه وسكانه؟! هذا هو ما حدث ويحدث مع عرفات المحاصر في مقره برام الله ثلاثة أعوام كاملة والعالم لم
يفعل له شيئا إنها قمة المهزلة والفضيحة، ثم يأتي الدور بعد هذا على العراق وما نشاهده يحدث لأهلها وشعبها لا يمكن أن يتصوره إنسان عاقل فأين العالم المتحضر وأين الشعوب المتمدنة فما يحدث حالياً بصدق شديد لم أشاهد مثيلاً له في العصر الحديث وأصبحنا لا نعرف على من سيكون الدور من العرب والمسلمين؟!
مجلة الجزيرة